شواطيء الكلمات


شواطيء الكلمات
عبير تميم العدناني
العشب على الضفة الأخرى أخضر
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
لماذا ياترى حين نكون على ضفة نهر وننظر تحت أقدامنا نرى الحجارة والأغصان المفتتة والرمال المختلطة بالأعشاب الصفراء ، ولكن حين ننظر إلى الضفة الأخرى فإننى نرى العشب الأخضر والمنظر الخلاب؟؟
هل يعني ذلك أننا كلما إقتربنا من المكان أو الأشخاص رأينا حقيقتهم وعيوبهم التي كانت تخفيها المسافة ؟ أم أن طبيعتنا البشرية تجعل من الممنوع مرغوباً ومن البعيد حلماً ندفع أغلى الأثمان في سبيل إمتلاكه ، فإذا إمتلكناه زهدنا به ولم نعد نعرف قدره ؟
إن هذه المعادلة المؤلمة كثيراً ماتحدث معنا بل تكاد تكون هي الحقيقة التي لايتناطح عليها كبشان ، فهذا مايحدث في العلاقات بين طرفين ، حين يكون الأمر أشبه برؤية نجم ساطع في السماء ويكون الوصول إليه هو الحلم الذي ينام ويصحو عليه أطراف العلاقة ، وحين يصبح الحلم حقيقة وتطال يد الواقع ذلك النجم ، حتى يغدو ماسة تزين أنامله ، حينها يبهت لونه ويفقد بريقه وتتحول نظرات ذالك الحالم إلى السماء ربما بحثاً عن نجمة أخرى وربما لأن عيناه لم تعد ترى روعة مابين يديه ..
إننا جميعاً نعرف خطورة الرمال المتحركة التي تسحب الإنسان بنعومتها الشديدة حتى يغوص فيها شيئاَ فشيئاً ، ويبقى كذلك حتى يصل لمرحلة لايستطيع أن ينتزع نفسه منها فتقضي عليه .. وبالرغم من معرفتنا بذلك إلا إننا كثيراً مانقع فريسة لها لأن نعومتها تشدنا إليها ..
إن هذا مايحدث معنا حين نحب سواءاً حبنا للجنس الآخر أو أبنائنا أو المال أو غير ذلك ، فيصبح هذا الحب غاية بدلآ من أن يكون وسيلة ، وبدلاً من ان يكون سبباً للسعادة يغدو سبباً للشقاء ، ويفقد المحب توازنه ، حتى يغدو عابداً متبتلاً في محراب هذا الحبيب ، لايرى سواه ، ولايرضى إلا برضاه ولا يغضب إلا لغضبه ، فيتبعه أينما حلت خطاه ، لاتشرق شمسه إلا بوجوده ، ولاتضحك دنياه إلا حين يشعر بقربه ، ولاتغيب إلا حين يفارقه ظله .. وهكذا يغيب عن دنيا عبادة الله الذي لابد أن يرجع إليه يوما من الأيام ، وعن عائلته ، أو عن نفسه حتى .. فتراه يكسر مبادئه وقيمه على أعتاب هذا الحبيب معلناً الولاء له دون غيره .. وهنا تكمن الكارثة حين يشعر الطرف الآخر بطوفان الحب الجارف من قبل هذا الحبيب ، فيبدأ بالتهرب من دفع نصيبه من الإهتمام والتواصل معه لأنه كمايقال (الحب في الحياة كما السياسة لاأحد يريد دفع الثمن بعد تسلم البضاعة ) إذا فمن قادته خطاه لبحيرة الرمال المتحركة ، وألقى بكل وسائل دفاعه وسلم نفسه حتى طوقته تلك الرمال فلايلومن إلا نفسه ، فلن يكون احد أحرص منا على أنفسنا ، فإذا سمحنا لذلك أن يحدث ولم نحافظ عليها فإن غيرنا بالضرورة لن يفعل ذلك ..
إن من أعز نفسه وإتخذ منهجاً وسطاً في حبه ، ولم يذلها بالإنصهار والمغالاة في الحب لاشك بأن هذا الحب سيمنحه الإتزان الروحي والحياتي والذي من شأنه أن يعينه على المحافظة على الذات وعلى الطرف الاخر وعلى سير الحياة بشكلها الصحيح ، فقد أمرنا الله تعالى بذلك في كثير من المواضع ، ونهانا من الإفراط في العبودية للهوى فقال عز من قائل ( ومن الناس من يتخذ من دون الله أنداداً يحبونهم كحب الله ، والذين آمنو أشد حباً لله ) وقال رسول الله صلوات الله وسلامه عليه ( أحبب حبيبك هوناً ما عسى أن يكون بغيضك يوما ما، وإبغض بغيضك هونا ما عسى أن يكون حبيبك يوما ما ) فالمغالاة في المشاعر أمر مرفوض لشدة خطره ومايسببه من دمار وألم للنفس البشرية .
فلابد من أن يكون الحب والولاء والعبودية لله عزوجل ، فيكون القلب ممتلئاً مطمئناً بحبه تعالى ، ثم يكون الحب الآخر موزعاً بين النفس والعائلة والأصحاب والشريك ، وغير ذلك ، وفي ذلك يقول الأديب البرازيلي باولو كويلهو ( كل إنسان سعيد هو إنسان يسكن الله قلبه ) ، وهنا يتحرر من عبودية الطرف الآخر كائناً من كان ، ويكون محمياً من ذل الإحتياج والضعف إلا لمن خلقه ...
ومضة :
إن الواقع يثبت أنه كلما إستغنينا في علاقاتنا الإنسانية ، حصلنا على إشباع ورضى أكثر ، فالإنسان بطبيعته يحترم من كان قوياً في عواطفه ويستهين بمن تذلل فيها ..
فلنفعل كما يقال (اذا اردت شيئا بشدة .. فاطلقه .. فأن عاد فسيكون لك للابد .. والا فانه لم يكن لك أصلا( ..
ويكفي أن نحب بقلوب نقية ، مخلصة ملؤها الوفاء والتقدير والصدق والإهتمام ..فإن كان قدر هذا الحب أن يدفن في مقبرة الأيام فلا أحد يعرف أين تكون الخيرة ، فلربما كان على الضفة الأخرى لنا ميعاد ..
وإن كان مقدراً له الحياة فلا يمكن لأي يد أن تغتاله ..

للكاتبة/ عبير تميم العدناني

مدونة الاخصائي الاجتماعي


تعليقات

  1. هذا هو بلدي أنا أول مرة زيارة هنا. لقد وجدت الكثير من الاشياء في بلوق الخاص بك لا سيما مناقشتها. من طن من التعليقات على المواد الخاصة بك ، واعتقد انني لست الوحيد وجود جميع التمتع هنا! استمروا في العمل الجيد.

    ردحذف
  2. هذا هو بلدي أنا أول مرة زيارة هنا. لقد وجدت الكثير من الاشياء في بلوق الخاص بك لا سيما مناقشتها. من طن من التعليقات على المواد الخاصة بك ، واعتقد انني لست الوحيد وجود جميع التمتع هنا! استمروا في العمل الجيد.

    ردحذف

إرسال تعليق

شكرا لك على الجهد الطيب والله ولي التوفيق

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

بحث عن المشكلات المدرسية

طريقة العمل مع الحالات الفردية

الأهداف الأساسية للمعسكرات :