كن صريحاً .. مع نفسك

كن صريحاً .. مع نفسك


بقلم : عائشة العمران

للكثير من الناس جانب مخبّأ من الواقع، هي الأمور التي لانستطيع أو لانريد مواجهتها، وربما لانكون قادرين على رؤيتها أصلاً رغم قربها الشديد منا، إنكار الواقع أو التهرب من مواجهته هي حالات قد يمر بها أي إنسان بدءاً من الأم التي لاتعترف بسوء خلق ابنتها وانتهاء بقادة الدول الذين أصمّوا آذانهم عن كل الأصوات الشعبية العالية التي ترفضهم.

في بعض المجتمعات قد يكون الرجال أكثرعرضة لحالة إنكار الواقع من النساء لأن المجتمع لايتساهل معهم في حالات الضعف بينما يعد من المقبول اجتماعياً للمرأة أن تمارس حقها في التعبير عن المعاناة، لا أستغرب من رجل يفتخر أمام أقرانه في المجلس بقوة شخصيته في حين حتى الخدم في بيته يشفقون عليه من تسلط زوجته لدرجة ربما تصل إلى رميه بالأشياء، وهناك من الرجال من يعيش حالة إنكار شديدة لوضعه المادي كخسارة فادحة يواجهها في الأسهم أو إغراق خطير في الديون، وربما يصل به الإمعان في إنكار الواقع إلى السعي إلى اقتناء سيارة جديدة، وربما يهرب من مواجهة مايمر به من ضائقة مادية بالسفر وصرف مبالغ طائلة وكأنه بذلك يثبت لنفسه أو لغيره أن حالته المادية ممتازة في الوقت الذي يكون فيه عرضة للسجن في أي لحظة.

تظل أمور الهارب من المواجهة معلقة ومؤجلة حتى إشعار آخر وبذلك فقد تزداد سوءاً مع مرور الوقت بسبب تجاهلها؛ ما يؤثر سلباً على ثقته بنفسه وقد يصل به الأمر إلى الإصابة بالقلق ومختلف الاضطرابات النفسية والجسدية، حتى أصحاب الإعاقات العقلية لدى الغرب يُشرح لهم وضعهم بشكل مبسط كي يتفهموا حقيقة اختلافهم عن الآخرين ولايعيشوا في حيرة.

إن مايجعلنا نتجنب مواجهة الحقيقة هو خوفنا من مواجهة أمر مجهول قد يقود إلى إحداث تغييرات في حياتنا، وبإنكارنا للواقع نثبت على وضع واحد لا نغيره، فالتغيير يتطلب جهداً لانريد القيام به ، رغم أن الحلول قد لاتتطلب جهداً كبيراً، وأحياناً تكون أبسط مما نتخيل، قد تكون في تغيير طريقة تفكيرنا فحسب.

الحقيقة تحررنا من الخوف منها، حينما يتحقق أسوأ مخاوفك فلن تخاف شيئاً وستتصرف على أساس معرفتك بالأمر لا على أساس خوفك وتهربك منه، ما إن تواجه الواقع لن تتمكن من العودة إلى ماكنت عليه من تخبط، ستبدأ في ملاحظة تصرفاتك التي كانت مبنية على جهلك بحقيقة الوضع ولن تتمكن من الاستمرار على ماكنت عليه من أنماط سلوكية غير صحية، وبذلك فبمجرد معرفة الحقيقة يكون التغيير الداخلي قد بدأ.

إن معرفة الحقيقة وإن لم تكن الحقيقة التي نريدها خير لنا من البقاء في الظلام، تخيل أنك الآن عرفت أخيراً سبب ضيقك من أمر ما.. سبب انزعاجك من شخص ما.. سبب تصرفك بعصبية في مواقف ما، حينها ستتمكن من فهم وضعك وستتحرر من كل قيود الجهل التي قيدت بها نفسك بتهربك من المواجهة، حينها ستتمكن من التنفس بعمق وتقبّل الواقع كما هو، ما يمنحك الفرصة للتصرف حياله بمنطق ورَوِيّة.

الوضوح لاشك يحقق لك راحة في الذهن تترتب عليها سعادة في القلب، ستتحكم أكثر في ردود أفعالك وترضى أكثر عن تصرفاتك، بل ربما بعد أن تتخلص من كل المشاعر السلبية ستضحك على نفسك كيف أنك كنت مكبلاً بكل تلك الشكوك والوساوس على أمر قد لايستحق كل ذلك الانزعاج، مواجهة الواقع لا تحسن حياتك وحدك فحسب؛ وإنما تحسّن حياة الأفراد من حولك كذلك وتجعلك أكثر شفافية في علاقاتك المختلفة مع أهلك وأصدقائك وفي محيط عملك. إن كان الواقع الذي نهرب منه مشوشاً لدرجة لاتمكننا من رؤيته بشكل واضح فإن من الحكمة أن نلجأ لمن نثق برأيه سواء كان صديقاً أو شيخ دين أو استشارياً ليضع معنا النقاط على الحروف، لاتستهين بقدرة الآخرين على إحداث تغيير في حياتك ففي بعض الأحيان يكون أسلوب تفكير الإنسان هو ما أوصله لما هو فيه، و حين يمنحه الآخرون أعينهم ويرون بها وضعه من طرف محايد سيتمكن هو كذلك من رؤية الأمر بوضوح مهما كان سيئاً.

نشر بجريدة الراية القطرية
 

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

بحث عن المشكلات المدرسية

طريقة العمل مع الحالات الفردية

جماعة الهلال الأحمر بالمدرسة